Logo Arabcivil 2024

أسُس السّلامَة و الصِّحَة المِهَنِيَة

تم تحديثه يوم 3 أبريل, 2020 من طرف أنس المحمادي

مهما اختلفت نوعية مشاريع البناء التي يتم إنجازها يبق تصنيف أماكن البناء كأماكن ذات خطورة عالية على سلامة العمال. وتُستثنى هذه الخطورة من المخاطر المتعدّدة التي يسعى مديري المشاريع إلى إدارتها و ذلك أولا لكونهم مسؤولون على الأضرار و الخسائر و ثانيا لأنّ الأشغال التي تنجز يتمّ التخطيط لها و المصادقة عليها مسبقا قبل الشروع في إنجازها، لهذا فإدارة هذه الخطورة هو تدبير خاص لا يعتمد على التوقعات و الاحتمالات في عدد الضحايا، بل يُدَبّر فقط عن طريق خلق وسط آمن للعمل.

التقنيات التي تهدف إلى خلق هذا الوسط هي تقنيات تحديد و تحليل مخاطر العمل و هي تشمل كل مراحل نشاط إنجاز المشروع.

الإطار التعريفي للسلامة و الصحّة المهنية

التوازن الصحي للفرد لا يرتَكِز فقط على الصِحة الجسدية و النّفسية، بَل يتأثّر بشكل كبير بالعوامل البيئية للمحيط الذي يتواجد فيه، و لهذا فإنّ مصدر الأضرار الناتجة عن العمل هو التغيّرات البيئيّة التي تحدثها الأشغال التي يقوم بها العمال من خلال عملهم.

علمًا أنّ بيئة و ظروف العمل ليست فقط العوامل الفزيائية أو الكميائية أو التقنية المتواجدة في موقع العمل، بل تشمُل أيضًا العوامل ذات طابع نفسي أو اجتماعي و التي يمكنها أن تؤثر على صحّة العامل. بالتالى يمكن النّظر إلى بيئة العمل حسب ثلاث مستويات: المستوى الجسدي أو الفزيائي؛ المستوى النّفسي؛ المستوى الاجتماعي.

تأكيدا لهذا السّياق فإنّ المنظمة العالمية للصحة تعرّف الصحة بأنّها حالة من اكتمال السلامة بدنياً و عقلياً و اجتماعياً.

نطرح التّعاريف التالية من أجل بدأ استكشاف المحيط الذي يشمله مجال الصحة و السلام في العمل.

  • ظروف العمل: هي كل ما له تأثير مباشر على مصادر المخاطر على سلامة و صحة العمال، و تضمّ ما يلي:
    • المواصفات العامة للمحلات و التجهيزات و الأدوات ...؛
    • طبيعة العوامل الفزيائية و الكيميائية و البيولوجية المتواجدة في محيط العمل؛
    • إجراءات التّعامل مع هذه العوامل؛
    • مواصفات الأنشطة التي تأثّر على المخاطر التي يتعرض لها العمّال.
  • الخطر: كل ما يمكنه أن يخلّف ضرر أو تدهور في جَودة حياة فرد أو جماعة.
  • وضع خطير: احتمال حدوث ضرر معيّن خلف واقعة عند ظروف معيّنة مع إمكانية قياس هذا الاحتمال.
  • الضرر: عاقبة ناتجة من خطر يحول حول جودة حيات فرد أو جماعة أفراد.
  • الوقاية: تقنية تفعّل على المخاطر بهدف إبطالها و تجنّب عواقبها.
  • الحماية: تقنية تفعّل على العواقب الوخيمة التي يمكن أن تنتج عن ضرَرٍ ما على فرد أو جماعة أو محيط.

 

عوامل مخاطر العمل

نبدأ بتحديد و معرفة العوامل التي تسبّب المخاطر، تتجلى هذه في كلّ عناصر العمل التي تهدِّد صحة العامل و يمكننا تصنيفها كالتالي:

  • عوامل مرتبطة بالأمن و شروطه؛
  • عوامل ذات أصل فزيائي أو كيميائي أو بيولوجي؛
  • عوامل منشقة من مواصفات العمل؛
  • عوامل منشقة من تنظيم العمل.

يعقب إهمال هذه العوامل حدوث تغيّرات بيئِيّة لمحيط و لظروف العمل و التّي بدورها لها تأثيرات على الأشخاص، مِما يؤدي إلى فقدان التوازن الصحي و ظهور الأضرار و الأمراض النّاتجة عن العمل. يمكن لهذه العواقب أن تكون:

  • عواقب مندرجة من شروط أمنية؛
  • عواقب مندرجة من شروط بيئية؛
  • عواقب مندرجة من عِبء العمل؛
  • عواقب مندرجة من تنظيم العمل.

يمكن تحديد طريقتين للتّعامل مع عوامل مخاطر العمل و تصريف عواقبها:

  • التّعامل مع صحة العامل بتقنيات طبّية و ذلك بواسطة: فحوصات طبّية؛ علاجات طبّية؛ تربية صحّية.
  • التّعامل مع بيئة وظروف العمل بتقنيات غير طبّية مثل: السلامة العملية؛ النّظافة العملية؛ تنظيم الشغل و العوامل البشرية؛ الظروف النفسية؛ التعليم و التكوين؛ السياسة الاجتماعية.

بالتّالي فتحليل مخاطر العمل تتضمّن مجموعة من المجالات التي تتشكّل في اختصاصات مختلفة:

  • السلامة في العمل؛
  • النظافة في العمل؛
  • الظروف النفسية و العوامل البشرية؛
  • طِب العمل.

قبل أن ندخل في تفاصيل هذه المجالات نود أن نقوم بإطلالة سريعة على أهمية التقنين و الدّور الذي يلعبه الإطار القانوني.

 

التّأطير القانوني

عادتا ما تؤثّر قوانين السلامة و الصحة على التدابير المتعلّقة بإنشاء المشاريع بإلزام دراسة مخاطر العمل ابتداء من مرحلة التصميم و التّخطيط للمشاريع و كذلك بإجبار الشركات على تفعيل برامج الصحة و السلامة. هذه القانون تتضمّن ضبط المسؤليات و التأكيد على حق العمال في حماية صحتهم من المخاطر، كما أنها تضع منهج لتأطير تحليل المخاطر و تقييمها و إحداث التدابير الوقائية الموازية لها مع إلزام مراقبة فاعليّة هذه التّدابير و  تعليم و إخبارية العمّال بها.

من بين دوافع إصدار قوانين للصحة و السلامة في العمل هي:

  • الحاجة إلى تأطير قانوني لحماية الضحايا و معاقبة المُذنبين؛
  • كونها مسؤولية دستورية، حماية العمّال أي حماية أفراد المجتمع؛
  • المعاهدات الدولية و جلب الاستثمارات الخارجية؛
  • تراكم عدد الضّحايا و الخسائر؛
  • و أهمّها كرامة النّاس.

واجبات المشغّل الأساسية هي:

  • ضمان سلامة و صحة العمال في كل الجوانب المتعلقة بأشغالهم؛
  • اتخاد جميع التدابير اللّازمة من أجل حماية سلامة و صحة العمّال؛
  • تطوير ممارسات مستدامة من أجل تحسين مستوى الحماية من المخاطر؛
  • الاستجابة لمقتضيات القانونية في تحليل مخاطر العمل؛
  • تحمّل نفقات تدبير سلامة و صحة العمال.

للعمال أيضا واجبات لابد من الامتثال لها لضمان فاعليّة تدابير الحماية و الوقاية، وهي:

  • الاستعمال الصحيح لأدوات و تجهيزات العمل و الحفاظ عليها؛
  • الاستعمال الصحيح لأدوات و أجهزة الوقاية و الحماية و الحفاظ عليها؛
  • إخبار المعنيين و المسؤولين عن السلامة في الموقع عن الحالات و الظّروف الحرجة؛
  • عدم إبطال صلاحية تجهيزات السلامة؛
  • المبادرة بمراجعة الحالة الصحية بواسطة الكشف الصحّي؛
  • المبادرة بالمساعدة في حالة الإنقاذ و الحدّ من الأضرار؛
  • المشاركة في ضبط واجبات الصّحة و السلامة؛
  • التعاون مع المسؤولين عن السلامة.

إنّ الإطار القانوني للصحة و السلامة في الشّغل يجب أن يخضع للتطوير و التجديد المتواصل لتحسين فعّاليته و لحماية العمّال من كل الاختراقات المُمكنة. ففي هذا الصدد يتم التركيز على المحاور التالي:

  • إدماج الوقاية في المؤسّسات و الشّركات؛
  • تنسيق الأنشطة و الأعمال؛
  • تواجد الموارد الوقائية داخل مركز العمل؛
  • دعم المراقبة من طرف الإدارات المعنية؛
  • التعاون من خلال فحص العمّال و الضمان الاجتماعي.

 

الأمن المهني

التقنيات الوقائية الغير طبّية تهدف إلى محاربة حوادث العمل بتفادي العواقب و التحكم فيها، و ذلك عبر قاعدتين أساسيتان لتفعيل الأمن: الوقاية و الحماية.

الأمن العلمي: يشكّل مضمون هندسة الأمن والتي تُعتبر تخصُّص يطبّق في مختلف المجالات الهندسية، يعمل أساسا على الظواهر الطبيعية المعروفة علميا و تجريبيا، من أجل التحكم في أسباب الحوادث. هذا العلم ينطلق أساسًا من مبدأ العِلّية أو السّببية و باختصار أنّ كل الحوادث لها أسباب حدوثها، إما عن طريق أسباب طبيعية أو عن طريق التفاعل بين مجموعة من الأسباب.

حادثة عمل

تعريف حادثة عمل يختلف باختلاف الجوانب المرتبطة بالسلامة في العمل:

  • من الجانب الأمني: ظهور و تجسّد خَطَر في واقعة غير مُنتظرة تمنع مواصلة العمل، و يمكنها أن تُحدث ضررا على أشخاص أو ممتلكات.
  • أما من الجانب الطبي: حدث ينتج عن عوامل ميكانيكية موجودة في البيئة و يخلّف جرح العامل.

يجدر الوقوف هنا لمراجعة الأمراض المهنية و تحديد الفرق بينها و بين حوادث العمل.

فالأمراض المهنية تنتج عن عوامل بيئية مندرجة من العمل و تؤدّي إلى إصابة (موت أو إعاقة أو عجز مؤقت). نوضح من خلال الجدول التالي المعايير المفرّقة بين حادثة عمل و مرض مهني:

عامل المقارنة حوادث العمل الأمراض المهنية
الأعراض غير متوقّع متوقّع
البدء صعود مفاجئ بطيء
الظهور خارجي و وحيد داخلي و متكرّر
علاقة السبب بالنتيجة واضحة غير واضحة
العلاج جراحي بالدواء

أما من الجهة القانونية، حسب القوانين أوروبية، فإن حادثة العمل هو كل ضرر يصيب جسد العامل نتيجت عمله من أجل غيره. يستخلص من هذا التعريف أنّ القانون يعتبر حادث عمل كل حادث ناتج عن:

  • الذهاب و الرّجوع من العمل؛
  • الأعمال النقابية و كل ما يتعلّق بها وذلك خلال توقيت العمل؛
  • القيام بأنشطة مغايرة لاختصاصه المهني؛
  • عملية مساعَدة أو عملية إنقاذ لها علاقة بالعمل؛
  • مرض أو إعاقة كان يعاني منها العامل مسبقا و تفاقمت نتيجة القيام بعمله؛
  • و يعتبر أيضا حادث عمل ذلك الذي تغيّرت أعراضه بسبب أمراض متزامنة.

عاموما ما يتمّ تحديد حادثة عمل بكونها كل الأضرار التي تقع في وقت ومكان العمل باستثناء الحوادث التي تنتج عن قوّة قاهرة أو عن طَيْشِ العامل بنفسه أو عن سوء نيته، و لا يمنع أن يعتبر حادث عمل النّاتج عن تهور مهني أو الذي يسبّبه زميله في العمل أو المسؤول عن أدائه.

و من نفس الجهة يأتي تعريف أمراض العمل بأنّها المرض نتيجة القيام بأنشطة العمل و التفاعل مع مواد و عناصر محدّدة في دفتر تصدره و تقوم بتحديثه هيأة الضمان الصحّي في البلد المعني و يكون مصادق عليه قانونيا، أما الأمراض الغير المتواجدة في هذا الدّفتر و التي يتعرّض لها العامل نتيجة القيام بعمله فتصنّف كحادثة عمل.

أسباب حوادث العمل

لكل حادث أسباب و تختلف باختلاف العوامل و الظروف البشرية أو المادّية التي تظهر عند تحليل مراحل حدوثه، و يمكن تصنيفها كالتالي:

  • العوامل التقنية: تشمل مجموعة من الشروط و الظروف المادية التي يمكن أن تكون أصل الحادث بكونها تنتج حالة غير آمنة.
  • العوامل الإنسانية: تشمل كل التصرّفات البشرية التي يمكنها أن تكون أصل الحادث، و هي كل التصرّفات الخطير و الممارسات الغير الآمنة.

 

الصحة المهنية

تعتمد الصحة المهنية في تطبيقها على تقنية الصحة الصناعية و هي تقنية وقائية غير طبّية تُفعّل على المُلوّثات البيئية الناتجة عن بيئة العمل بهدف وقاية الأفراد المعرّضين لها من الأمراض المهنية، تتفرّع هذه التقنية وِفق الفروع التالية:

  • الصحة النّظرية: تدرس الملوّثات و علاقتها بالإنسان، عبر دراسات الأوبئة و التجارب التي مرّ بها الإنسان و الحيوان، بهدف دراسة علاقة الجُرعة بالاستجابة أو علاقة الملوّث بمدّة التعرّض، و هذا من أجل تحديد قياسات مُعيّنة لتركيز مختلف المواد الملوّثة في البيئة و تحديد فترات التعرض التي بإمكان معظم العُمال أن يتعرّضوا فيها لهذه المواد بِتِكرار دونَ أن تخلّف أيّ أثر سلبي على صحّتهم.
  • الصحّة التّحليلية: التحقيق و التحليل النّوعي و الكمّي للملوّثات المتواجدة في بيئة العمل من أجل تقييم مدى خطورتها على الصحة.
  • الصحة الميدانيّة: تعتمد على دراسة و فحص بيئة العمل و ظروف العمل للتحديد و تقييم المخاطر الصحيَة و مسبّباتها.
  • الصحّة التنفيذية: تعمل على التحكّم في المخاطر المُكشف عنها.

تعمل صحة العمل بالتّفاعل المشترك بين هذه الفروع لكونها مرتبطة ببعضها البعض.

مخطّط تفاعل مختلف فروع الصحة الصناعية

مخطّط تفاعل مختلف فروع الصحة الصناعية

 

حسب مبدأ صحة العمل، الملوِّث هو عامل بيئي ينتج في وسط العمل جرّاء إنجاز أنشطة العمل و يمكن تصنيفه كالتالي:

  • الملوّثات الكيميائية: مكون من مادّة أوّلية عضوية أو غير عضوية و طبيعية أو اصطناعية.
  • الملوّثات الفزيائية: تتكون من الحالات الطّاقية التي تظهر في وسط العمل.
  • الملوّثات البيولوجية: تتكوّن من أعضاء حيّة تلوّث البيئة و بإمكانها أن تنتج أمراض معدية.

 

طب العمل

هو اختصاص في مجال الطّب يهدف إلى أن يبقى العامل في أحسن حالته الصحّية. و يتم تفعيله حسب مستويَين:

  • الطب الوقائي المهني: يسعى إلى عدم ظهور الأمراض الناتجة عن العمل.
  • الطب العلاجي المهني: تحديد مراحل علاج الأمراض الناتجة عن العمل و الحدّ من عواقب هذه الأمراض.

أما وظائف طب العمل يمكن اختزالها كالتّالي:

  • وظائف ذات طابع طبّي؛
  • وظائف ذات طابع نفسي؛
  • وظائف ذات طابع صحّي وِقائي؛
  • وظائف ذات طابع تقني؛
  • وظائف ذات طابع استشاري؛
  • وظائف ذات طابع تكويني؛
  • وظائف البحث و التّحقُق؛
  • وظائف إدارية.

 

الإرغنوميا و علم النفس

الإرغنوميا: هو مجال علمي~هندسي متعدّد الاختصاصات يعمل على العوامل الإنسانية المُركِّزة على نظام التعامل الشّخص و الآلة و يهدف إلى ملاءمة بيئة العمل للعامل من أجل الوصول إلى أفضل تجانس ممكن للارتياح في العمل و فعّالية الإنتاج.

علم النفس الاجتماعي: هذا العلم يتكلّف بدراسة التّعامل بين الأفراد و التّفاعل الإنساني.

الإرغنوميا و علم النّفس التطبيقي: مجموعة من التقنيات ذات طابع متعدّد الاختصاصات و التي تهدف من جهة إلى ملاءمة ظروف العمل للعامل بواسطة تصميم و تشكيل منصب العمل و من جهة أخرى إلى ضبط الضغوطات الدّاخلية و الخارجية الناتجة عن العوامل النّفسية و الاجتماعية من أجل تحسين ظروف العمل و الحفاظ على الصّحة الجسمية و النّفسية و الاجتماعية للعمال.

 

رغم كل التقدّم و التحسُّنات التي عرفتها ظروف العمل من حيث التجهيزات الوقائية و إجراءات السلامة إلاّ أنه لازلنا نُعايِش وقوع حوادث عمل متفاوتت الخطورة و التي في غالب الأمر ما يكون سببها عدم تقدير أهمية هذه المعايير، لا من جهة المشغّل و  لا من جهة العامل، و هذا بوجود قوانين تجبر على اتخاد كل معايير السلامة. السؤال هنا هل يمكن أن نعتبر هذه النتيجة كضُعف في عمل المنظومة كَكُل؟ أو هناك نُقَطْ يجب الوقوف عندها و إعادة النظر فيها و التي بحد ذاتها يمكن أن تختلف باختلاف الثقافة أو الظروف الإقتصادية؟

 

اطّلع على المزيد

مساهمة في تنمية المدنية العربية
جميع الحقوق محفوظة © Arabcivil 2024